رابطة الذخائر الإسلامیة

ثمرة العقل الإستقامة

رابطة الذخائر الإسلامیة

ثمرة العقل الإستقامة

رابطة الذخائر الإسلامیة

هدفنا الأول تبیین مبانی الفکر الانسانی و مبانی الفکر الإسلامی الأصیل
أیضا تعاون النخب و المتخصصین فی العالم العربی و الإسلامی فی رسم خطوات النهضة الفکریة الإسلامیة
و کشف قدرات أفراد المجتمع من الشباب و الشابات و تنمیتها...

الملتقيات و الأقسام
الأرشيف

القسم الأول: الأركانُ الكلية في فلسفة التاريخ الشيعيّ

 

يُعتبَرُ البحثُ في فلسفةِ آخر الزمان من الأبحاثِ الأساسيَّةِ في فلسفةِ التاريخِ. قلَّما یُبحَثُ في علمِ فلسفة التاريخ سواء في المعارفِ الإسلاميةِ عمومًا أو في المعارفِ الشيعيةِ على وجهِ الخصوص.

بعبارةٍ أخرى: لم يتمَّ حتى الآن استخراجُ نظريةِ الإسلامِ في مستقبلِ التاريخِ حسبَ ما وردَ في الآياتِ و الرواياتِ، و لم تُنقَّحْ العواملُ المؤثِّرةُ في تغييرِ المجتمعاتِ، و ما دورُ الانسانِ في مستقبلِ التاريخِ و غيرِها من الأبحاثِ.

بناءً على ذلك، وقبلَ البدءِ بالحوارِ حولَ (تأثيرِ الانسانِ على مستقبلِ العالمِ في فلسفةِ التاريخِ الشيعيِّ)؛ لابدَّ لنا من ذكرِ نُقاطٍ أساسيَّةٍ مؤثِّرةٍ في تعريفِ فلسفةِ التاريخِ ولها دورٌ فيما وقعَ من اختلافٍ في الآراءِ بين آراءِ مدرسةِ الشيعةِ في فلسفةِ التاريخِ وغيرِها من المدارسِ.

* يُعتبرُ علمُ فلسفةِ التاريخِ منَ العلومِ النظريةِ و هُوَ العلمُ الذي يتناولُ تحليلَ التاريخِ و تعليلِه باعتبارِها كليَّاتٍ منسجمةٍ و مبنيةٍ على قواعدَ مترابطةٍ بحيثُ تَظهرُ نتائجُها على شكلِ آثارٍ عينيّةٍ ، كما يبحثُ هذا العلمُ في عدَّةِ أسئلةٍ مثلُ: عللُ ظهورِ الحرکة في التاريخِ و تكامله و مراحله ، بدايةُ التاريخِ و نهايتُه، دورُ خالقيةِ الله و ربوبيته، كما يبحثُ في إراداتِ الانسانِ و أثَرِها في ظهورِ التاريخ و تحوُّلاتِه ، تقسيمُ الجبهات التي شَكَّلَت التاريخَ و تعيينُ حدودِ تأثیرِها و العواملُ المؤثرةُ فيها و أصولُها و... كلُّ هذه الأسئلةِ یبحثُها علمُ فلسفةِ التاریخِ و يُجيبُ عنها.

1/1- المحورُ الأساسيُّ في تحليلِ التاريخِ هو خالقيةُ اللهِ و ربوبيَّته

عندَ الحديثِ في فلسفةِ التاريخِ الاسلاميِّ لا بدَّ منَ الاهتمامِ بخمسِ مسائلَ أساسيّة، المسألةُ الأولى هي أنَّ فلسفةَ التاريخِ الاسلاميِّ قد تأسَّسَ على أساسِ الإعتقادِ بحاكميَّةِ إرادةِ الحقِّ على كلِّ التاريخِ و سلطنةِ مشيئتِه، و يمكنُ بنظرةٍ عامَّةٍ تقسيمُ أفكارِ فلسفةِ التاريخِ إِلى قسمينِ كليَّين: بعضُها يقومُ بتحليلِ سيرِ حركةِ التاريخِ بغضِّ النَّظرِ عن حاكميَّةِ إرادةِ اللهِ و مشيئتِه و البعضُ الآخَرُ يُفَسِّرُهَا علَى أَساسِ حاكميَّةِ إِرادةِ اللهِ المتعالِ، و من الطبيعيِّ أنْ یبنى صرحُ التفكرِ الدِّينيِّ -خاصَّةً الشيعي منه- على محورِ حاكميَّةِ الحقِّ على كلِّ الخَلقِ. فكما أنَّ كلَّ العالَمِ نَاشِئٌ عنْ إرادةِ اللهِ و مشيئتِهِ وَ أَوْصَافِه الجماليَّةِ والجلاليَّةِ فإنَّهم يعتقدون أنَّه هو مبدأُ العالمِ و مُنتهاهُ و كلُّ التاريخِ هو مليءٌ بآياتِ عظمةِ اللهِ، و أنَّ التاريخَ هو مسيرُ تحقُّقِ إِرَادَتِه سبحانه.

بناءً على هذه الرؤيةِ ، لا بدَّ أنْ تفسَّرَ حركةُ التاريخِ على أساسِ خالقيَّةِ اللهِ و ربوبيتِه أيْ أَنَّه كما أنَّ اللهَ تعالى هو خالقُ كلَّ الوجودِ بما فيه البشر و حركة تكاملِ التاريخِ فقد تعهَّد بربوبيته حفظ التاريخ البشري و تكامله كما جاء في القرآن الكريم : (ربنا الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقه ثم هدى)

إنَّ تكاملَ الإنسانِ و هدايتَه نحوَ الكمالِ هو في عُهدةِ ربوبيَّةِ اللهِ،  فلم ينشأْ التاريخُ من جلوةٍ ماديةٍ و لم يحكم الجبرُ التاريخيُّ على تكاملِ التاريخِ، بل إنَّ خلقَ العالمِ و التاريخِ ناشئٌ من خالقيةِ الحقِّ تعالى، و تكامُلَهما ناشئٌ من ربوبيتِه تعالى.

1/2- التكاملُ هو نتیجةُ حرکةِ التاريخِ

المسألةُ الثانيةُ التي لا بدَّ منَ الإهتمامِ بها هي أنَّه في فلسفةِ التاريخِ الإسلاميِّ ، نجدُ أنَّ العالمَ يتحرَّكُ نحوَ الكمالِ فإنْ قَبِلْنا بالأصلِ الأوَّلِ و هو أنَّ حكمةَ الحقِّ و ربوبيَّتِهِ هي  الحاكمةُ على حركةِ التاريخِ فلابدَّ أن نقْبلَ بأنَّ كلَّ التاريخِ يتحركُ نحوَ الكمالِ، أيْ أنَّه لا يمكنُ أنْ يتحرَّكَ العالمُ بأجمعِهِ حركةً نزوليةً، فحرکتُه نحوَ الكمالِ تُصبِحُ حتمِيَّةً وِفْقًا للأصلِ المذكورِ لأنَّ هذا ما ينسجمُ مع الحكمةِ.

فكما تعتمدُ نظريةُ فلسفةِ التاريخِ الاسلاميِّ على خالقيةِ الحقِّ و ربوبيّتِهِ فهي تعتمدُ على المعادِ أيضًا يعني أنَّها تُفسِّرُ الحركةَ الكلِّيَّةَ للعالمِ أنَّها تَتَّجِهُ نحوَ القربِ منَ اللهِ تعالى، و نعتقِدُ أنَّهُ في إحدَى مراحلِ حركةِ التاريخِ سوفَ يقعُ حدَثٌ عظيمٌ هو عبارةٌ عنِ المعادِ و رُجُوعُ عمومِ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى، تَصْحَبُ هذه العودةُ حوداثَ عديدةً تشملُ كلَّ عالَمِ الخلقةِ.

نحنُ نعتقدُ أنَّ السَّيرَ الكلِّيِّ للتَّاريخِ هو سيرٌ نحو الكمالِ، وَ لِأنَّ الكمالَ ليس هو إلَّا القربَ من اللهِ تعالى و انتشارَ العبوديَّةِ ، فإنَّ الحركةَ الكلِّيَّةَ للعالَمِ سوفَ تُخْتَمُ في النِّهايةِ بانتشارِ عبادةِ اللهِ تعالى و كمالِ عبوديَّتِه.

1/3 المُوَاجَهَةُ التَّاريخِيَّةُ بينَ الإيمانِ و الكُفْرِ الواقعِ تحت ظِلِّ مشيئةِ اللهِ

المسألةُ الثَّالِثَةُ الَّتي لا بدَّ منَ التَّأْكيدِ عليها في تحليلِ فلسفةِ التاريخِ الإسلاميِّ هي عبارةٌ عن دورِ إراداتِ الإنسانِ و أَثَرِها في حركةِ التاريخِ ، و لا نَعني بذلك أنَّه قد تمَّ تفويضُ شيءً مّا للإنسانِ -في عِرْضِ إرادةِ اللهِ تعالى- بل نقصدُ ما ذُكر من معنى في بحثِ الجبر و الإختيار عندَ الشِّيعةِ و المُتناسِبِ معَ معارفِ أَهْلِ البيتِ عليهمُ السلام ، لا جبرَ و لا تفويضَ بلْ أمرٌ بينَ الأمرَينِ.

لقد وهبَ اللهُ الإنسانَ إرادةً و لهذه الإرادةِ الإنسانيَّةِ دورٌ في تحقُّقِ حوادِثِ العَالَمِ بميزانِ و مِقْدارِ ما تأْذَنُ به المَشيئةِ الإلهيةِ و بميزانِ العَوْنِ الإلهي المُتَنَزَّلِ على الإنسانِ.

مِنْ هنا فقد ظهرَ اتِّجاهان لحركةِ التاريخِ ، قُسِّمَتْ إلى جبهتين : في إحدى الجبهتين إراداتٌ تعملُ على عبوديَّةِ اللهِ تعالى خاشعةٌ خاضعةٌ متذلِّلَةٌ بَيْنَ يديه سبحانَه و تعالى؛ أَيْ أنَّ هذه الإراداتِ مُسلِّمةً خاشعةً خاضعةً أمامَ الحقِّ تعالى، فالحركةُ الإراديَّةُ إمَّا أنْ تقعَ منسجِمَةً مع الرّبوبيّةِ الإلهيّةِ التشريعيةِ و يحصُلُ الإنسجامُ بينَ المَشيئةِ البالغةِ و فِعْلِ العبادِ لانسجامِ الرُّبوبيَّةِ التَّشريعيَّةِ مع الرّبوبيَّةِ التكوينيّةِ، و من جهةٍ أُخْرى : يَظْهَرُ طُغيانُ الموجوداتِ المُرِيدَةِ المُختارةِ كالإنسِ و الجِنِّ من حيثُ إرادتِها و اختيارِها.

و الجبهةُ الثانيةُ الَّتي توجَدُ ما يُعبَّرُ عنه بالتَّمرُّدِ و الإستكبارِ و التّعزُّزِ أَمَامَ اللهِ تعالى.

تسعى كلٌّ منْ هَاتَيْنِ الجبهتينِ إلى توسِعةِ دَائرةِ حَرَكَتِها، و مِن هنا تنشأُ المواجهةُ بينَ الحقِّ و البَاطِلِ فِي التَّاريخِ.

التَّعارُضُ الأَسَاسِيُّ في التاريخِ قائمٌ بينَ تَعَارُضِ الإيمانِ و الكفرِ، و العُبودِيةِ و الإستِكبارِ كما أنَّ الحركةَ الكُلِّيَّةَ للعالَمِ في النِّهايةِ تَتَّجِهُ نحوَ غَلَبَةِ العُبُودِيَّةِ. المَسْأَلَةُ الَّتي نَحنُ بحاجةٍ إلى التَّأمُّلِ فيها هي أَنَّه و إن كَانَتِ الإِرَادَاتُ الإنسانیّةُ حاضرةً في حركةِ التَّاريخِ إلَّا أنَّه ليسَ لَها دورٌ مُحوَرِيٌّ فكُلُّ التَّارِيخِ يتعيَّنُ بالمَشِيئةِ الإلهِیَّةِ البَالِغَةِ.

لا يُمكِنُ أنْ يُغَيِّرَ الإنسانُ منَ القوانينِ الكُلِّيَّةِ لِعَالَمِ الخلقةِ الَّتي هي عِبارةٌ عن ظُهُورِ مَشِيئَةِ اللهِ تعالى، بلْ إنَّ إرادةَ النَّاسِ تَعْمَلُ ضِمْنَ حُدُودِ هذه القوانينِ و هي في ضِمْنِ هذه القَوَانِينِ، و یُعْتَبَرُ تَأْثيرُهَا بمِقْدِارٍ محدودٍ و تابعٍ لتلكَ القَوانينِ الإلهيَّةِ.

تَتَحَرَّكُ كِلَا الْجبهتين -الحَقُّ و الباطلُ- بإذنِ اللهِ و مشيئَتِهِ الَّتِي تُفیضُ علیهم القدرةُ على الحركةِ و التَّأْثيرِ، فالمشيئةُ الإلهِيَّةُ فِي ضمنِ الحَركةِ الكُلِّيَّةِ العامةِ للتاريخِ هي تدعمُ و تؤَيِّدُ كِلَا الجبهتين فيظهرُ النِّزَاعُ بَيْنَ الحقِّ و البَاطِلِ ، عَلينَا أن نَلتفِتَ بأَنَّ قَولَنا أنَّ المواجَهَةَ الأساسیَّةَ في حَرَكَةِ الحقِّ و الباطِلِ هي المُوَاجَهَةُ بَينَ العُبُودِیَّةِ و الشَّيْطَنَةِ ، لا يعني عدمُ وُجُودِ نِزَاعٍ في داخلِ دَائرَةِ الكُفْرِ و الإستكبارِ وَ الشَّيْطَنَةِ، بلْ مِنَ المُمْكنِ أنْ يقعَ النِّزَاعُ دَاخِلَ الْجبهةِ نفسها بسببِ عبادَةِ الدُّنْيا، الاستعلاءِ و طلبِ السُّلْطَةِ كما جاء في القرآنِ: (تحسبُهُم جميعًا و قلُوبُهم شتًّى)[1] يوجَدُ تشتُّتٌ بينَ القُلُوبِ في داخِلِ جبهةِ الكُفْرِ و الإستِكْبارِ و لِذلك فإنّ مَنشَأ كثير من المُوَاجَهَاتِ الَّتي تَقَعُ في العالَمِ يَرجِعُ إلى ما يَحْصُلُ في داخِلِ تلك الجبهة. لكنَّ النِّزاعَ الأَصْلِيَّ العالمي الناتج من الحَرَكَةِ الكُلِّيَّةِ للتَّاريخِ هو نِزَاعُ الحَقِّ و البَاطِلِ و الكُفرِ و الإيمانِ.

1/4- اختلافُ مِقْدَارِ تَأْثيرِ الإِرَاداتِ في اتِّساعِ دَائِرَتَيْ الحَقِّ و البَاطِلِ

المسألةُ الرَّابعَةُ هي اختلافُ مُسْتَوَى الإرَادَاتِ سواءً في جبهةِ الحَقِّ أو الباطلِ، فَهِيَ لَيْسَتْ فِي عرضِ بعضِهَا البَعْضِ؛ بل إنَّ لِسَيْرِ إراداتِ الإنسانِ طَوَالَ التَّاريخِ نِظامٌ مُعَيَّنٌ و هذه المسألةُ مُهِمَّةٌ جدًّا في تحليلِ فَلْسَفَةِ التَّاريخِ الإسْلَامِيِّ.

بعضُ الإراداتِ هي إراداتٌ محوريَّةٌ في كلِّ التَّاريخِ بحيثُ تتأثر بها كُلُّ حَرَكَةٍ في التَّاريخِ.

إنّ أنبياءَ اللهِ و أولياءهُ هم محورُ الحَقِّ في جبهةِ الحَقِّ طوالَ التَّاريخِ، أما بقیَّة الإراداتِ فإنه يتم تحديد مَوْقِعِيَّتهَا في مسيرِ عُبُودِيَّةِ اللهِ حَسْبَ شِدَّةِ تِلْكَ الإراداتِ و قُوَّتِهَا.

الوُجودُ المُقَدَّسُ و النّورَانِيُّ للنَّبِيِّ الأَكْرَمِ صلّى اللهُ عليه و آلِه و أَهْلِ بيتِ العِصْمَةِ و الطَّهَارَةِ عليهمُ السَّلامُ همُ المحورُ الَّذي يدورُ في مَدَارِه کلُّ أنبياء الله و أولياؤه، وهم محورُ العُبُودِيَّةِ في كلِّ مَرَاحِلِ التَّاريخِ بناءً على المعارِفِ الشِّيعِيَّةِ. و لهذا قالوا عليهم السلام: (بنا عُرف الله و بعبادتنا عُبد الله) و (لولانا ما عبُد الله) يعني أنَّ كلَّ العَالَمِ يَسجُدُ لله بسببِ شِدَّةِ عُبُودِيَّتِهِم و خُضُوعِهِم، و تَبَعًا لعِبَادَتِهِم يَعْبُدُ الآخِرُونَ اللهَ سبحانه و تعالى في كلِّ المُستَوَيَاتِ،  و المَرَاتِبِ حتَّى أَنبياء أولوا العزم عليهم السلام فإنَّهم يتكاملون بوِلايتِهِم و عِنَايَتِهِم.

إنّ تأثيرَ الإراداتِ الأخرى يقع في المُستَوَيَاتِ الَّتِي تَلِيهِم، و لكنَّ تلكَ الإراداتِ هي إراداتٌ تَبَعِیَّةٌ و تأثيرُهَا على نَتَائِجِ التاريخِ محدُودٌ جِدًّا، فتُؤَثِّرُ على جَمَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ و محدودةٍ.

بعضُ الإراداتِ الأُخْرَى مُؤَثِّرَةٌ في المِقْيَاسِ العَالَمِيِّ وَ بَعْضُهَا مُؤَثِّرٌ في مِقْيَاسِ تَاريخِ الحُضُورِ كإراداتِ الأَنبياءِ؛ خَاصَّةً أَنبياء أولوا العزم عليهم السلام.

كما توجَدُ إِرَادةٌ هي محورُ كُلِّ تَاريخِ العُبُودِيَّةِ و هي إرادةُ شَخصِ النَّبِيِّ الأَكرَمِ صلَّى اللهُ علَيْه و آله و أهلِ بَيْتِهِ علَيْهِمُ السَّلَامُ،كذلك الحالُ في الجبهةِ المُقَابِلَةِ، حيثُ تُوجَدُ إِرَاداتٌ هي محورُ حَرَكَةِ الكُفْرِ في العَالَمِ و تَأْثِيرُ محورِيَّتِهَا إمَّا إنَّه في مُستوَى جَمَاعَةٍ قَليلةٍ أو مُجْتَمَعٍ كبيرٍ كافرٍ في عصرٍ مَّا أَو على مُستوَى التاريخِ، كما هو الحالُ في شَيَاطينِ الجِنِّ ، فَيُعْتَبَرُ إبليسٌ عُنْوَانًا لمحورِ الإستكبارِ. بعضُ شَيَاطينِ الإنسِ أَيضًا هم محورُ الشَّرِّ طَوَالَ التاريخِ. كما قال تعالى (و كذلك جعلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنسِ و الجِنِّ)[2] تلك الجَمَاعَةُ من شياطينِ الإنسِ الَّذينَ عَارَضُوا أنبياء أولوا العزم عليهم السلام هم محور شياطين التاريخ المذكورون في الروايات.

كذلك الشَّياطينُ الّذين عارضوا النَّبيَّ الأكرمَ صلَّى اللهُ عليه و آله و نظَّمُوا صُفُوفَهُم ضِدَّه. هم محورُ شيطَنَةِ الإنس و الجِنِّ في تاريخِ البشريَّةِ و الَّذين ذُكِرَت أَسْمَاؤُهم في الرِّواياتِ أيضاً.

إذن محاوِرُ جبهةِ الباطلِ هم أولياءُ الطَّاغوتِ حيثُ يسيرُ الإستكبارُ طوالَ التاريخِ وِفْقَ هدايتِهِم و يَدْعُونَ الآخرين إلى الطُّغيانِ و الإستكبارِ.

فمَعَ ما لِحُضُورِ إراداتِ البَشَرِ على التَّاريخِ و حرَكَتِهِ مِن تأثيرٍ إلَّا أنَّ هذه الإراداتِ تَدُورُ في مدارِ محوَرِ إراداتٍ أُخرى مُؤَثِّرَةٍ على كلِّ التاريخِ في كلٍّ من جبهتَيْ الحَقِّ و البَاطِلِ.

1/5- الإنْحِلَالُ التَّدْرِيجِيِّ للإِرَادَاتِ المَنفِيَّةِ في الإراداتِ المُثْبَتَةِ

المَسْأَلَةُ الأَخِيرَةُ و الجَامِعَةُ هي اختِلَافُ الميزانِ عندَ محوَرِ الكُلِّ في كلٍّ منَ الجبهتَيْن ، فالقَدَرُ المُتَيَقنُ أنَّ كُلَّ عَالَمِ الخلقَةِ و التَّارِيخِ هو غَلَبَةُ محورِ الكُلِّ في جبهةِ العُبُودِيَّةِ على محورِ الكُلِّ في جبهةِ البَاطِلِ؛ و إِن طَالَ النِّزَاعُ.

بتعبيرٍ آخرَ: يغلُبُ سُجُودُ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ صلَّى اللهُ علَيْه و آلِه و أهلِ بَيْتِهِ عليهِمُ السَّلَامُ و عُبُودِيَّتُهُم على شيطنةِ الشياطينِ و في المرحلةِ التاليةِ يغلُبُ سُجودُ الأَنبياءِ على شيطنةِ الطَّواغيتِ و شياطينِ الإنسِ و الجِنِّ المُعَارِضِينَ لَهُم، فَتَتَّجِهُ حَرَكَةُ الكُلِّ نَحْوَ غَلَبَةِ العُبُودِيَّةِ، أيْ أنَّ ظَرْفيّةَ عبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه و آله في جبهتِهِ تغلُبُ ظَرْفِيَّةَ الإستكبارِ في جبهةِ الباطلِ. منَ الواضحِ هُنَا أنَّ هذهِ الغَلَبَةَ مِن لُطْفِ اللهِ تعالى و رُبُوبِيَّتِه الَّذي يُؤَيِّدُ عَمَلَ الخيرِ و ينصرُهُ، فشِدَّةُ عِبَادَةِ النَّبِيِّ الأَكرَمِ صلّى اللهُ علَيه وآله تغلُبُ شِدَّةَ استكبارِ إبليسَ طوالَ التاريخِ.

و لا يظْهَرُ هذا النّصْرُ في عالَمِ الدُّنيا فلا نَرَى غَلَبَةَ الحَضَارَةِ الإلهِيَّةِ على الحَضَارَةِ المَادِّيَّةِ و ذلك لأَنَّ تَطَوُّرَ الحَضَارَاتِ طَوالَ التاريخِ هو عبارةٌ عن سَرَيَانِ الإراداتِ الإنسَانِيَّةِ في الفَوَاعِلِ الَّتي ما دُونَهَا مثل الفواعلِ الطبيعيَّةِ الَّتي سَخَّرَهَا اللهُ للإنسانِ و جعلَهَا تحتَ إرادَتِه.

بعبارةٍ أُخْرَى: عندما تَتَعَارَضُ الإراداتُ الإنسانيَّةُ يَتَكَوَّنُ نظامٌ مُعَيَّنٌ للتَّاريخِ مُنسَجِمٌ ثُمَّ يَجْرِي في الطَّبِيعَةِ فيَسُوقُ ضِمْنَهُ الفَوَاعلُ المُسَخَّرَةُ بما يَتَنَاغَمُ مع محتواهُ و جِهَتَهُ، فيَصْبَغُهَا بصبغةِ إِرَادَتِه الخَاصَّةِ ، و هكذا تنتجُ الحضارةُ و تتكَوَّنُ.

عندما نُمعِنُ النَّظَرَ في التاريخِ نرى حضارَتَيْنِ طَوالَ التاريخِ، إحداهُما قائمةٌ على الإستكبارِ والأُخرى قائمةٌ على الإيمانِ والعُبُودِيَّةِ، ويوجَدُ بينهما عالَمٌ واسِعٌ منَ الإلتقاطِ وما يظهَرُ في النهايةِ هي الحضارةُ الإلهيَّةُ القائمةُ على محورِ العُبُوديَّةِ وولايَةِ وليِّ اللهِ الأعظمِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ.

فهذه الدُّنيا ستنتهي بغلَبَةِ العبوديَّةِ الَّتي سوف تسري في كلِّ الخلقةِ، كما أنَّ حركةَ العَالَمِ تجري على محورِ ولايةِ النَّبيِّ الأكرمِ صلَّى اللهُ علَيه و آله و أَميرِ المؤمنين و أهلِ بيتِ العِصمةِ و الطَّهارةِ عليهمُ السَّلَامُ. و ليس على محورِ ولايةِ إبليسَ.

لذلك جاء في الرواياتِ الَّتي ينقلُها الفريقَينِ : (يا عليُّ أنت صاحبُ الجنَّةِ و قاسِمُ النِّيرَانِ)، و (يا نِعمةَ اللهِ على الأبْرارِ و نغمته على الفجَّارِ)؛ أيْ أنَّ مَدارَ الرّحمةِ و الغضبِ الإلهيَّیْنِ هو وجودُ وليِّ اللهِ الأعظمِ الّذي تُعتَبَرُ ولايَتُهُ استمرارًا لوِلَايَةِ النَّبيِّ الأَكرمِ صلَّى اللهُ عليه و آلِه  و استمرارًا لوِلَايةِ اللهِ كما قال سلام الله علیه: (وِلايتُنا وِلايةُ الله التي لم يبعث نبيًّا إلّا بها).

النتائِجُ الَّذي نستخلِصُها ممّا ذُكِرَ :

و إنِ اتَّجَهَتْ حركةُ العَالَمِ في دارِ الدُّنيا نحوَ عصرِ الظُّهُورِ - و في هذه الحركةِ الَّتي تُؤَدِّي فيها الإراداتِ الإنسانيَّةِ دَوْرُها - لكنْ لا يعني ذلك أنَّ الإراداتِ الإنسانیَّةِ المُتَعَارَفَةِ هيَ إراداتٌ محوريَّةٌ في حركةِ التاريخِ نحوَ الصّلاحِ. بلْ إنَّ محورَ الكلِّ في جبهةِ الحَقِّ هو رُبُوبِيَّةُ اللهِ تعالى و في داخلِ هذه الجبهةِ أيضاً فإنَّ إرادةَ وليِّ اللهِ هي محورُ إصلاحِ الكُلِّ و وِلايتِهم و هِدَايتِهِم، فوِلَايَتِه هي الّتي توصِلُ التاريخَ إلى النّقطةِ المطلُوبَةِ.

نحن لا نرى أنَّ شخصيةَ إمامِ العصرِ عجَّلَ اللهُ فرجَهُ الشَّريفِ هي شخصيةٌ أُسطوريّةٌ بل شخصيَّتُه واقعيةٌ و هو محورُ حركةِ العبوديَّةِ في عصرِنا، و تَنتَظِمُ حركةُ مَلَكُوتِ العَالَمِ و مُلْكِه بوَاسطةِ عبادَتِهِ عجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ و على هذا النَّحوِ أيضًا تَتَحَقَّقُ الغَلَبَةُ النِّهَائِيَّةُ على جبهةِ البَاطِلِ.

لابدَّ منَ الإلتفاتِ إلى أنَّ الصِّرَاعَ بينَ الحَقِّ و الباطلِ ليس صراعًا سطحيًّا وظاهريًّا ... نحن أحيانًا نُلَخِّصُ الحُرُوبَ و الصِّراعاتِ في جَلَواتِهَا الظَّاهريَّةِ ؛ فَرَضًا عندما نَنظُرُ إلى ما حدَثَ يَومُ عاشوراءِ فإنَّ الحربَ الَّتي نرَاهَا هي عبارةٌ عنْ حربِ السُّيُوفِ و الرِّمَاحِ و الأَسِنَّةِ ، و تقَطُّعِ الأَجْسَادِ و الأَبدَانِ ، تَطَايُرِ الرُّؤوسِ و الأَيدي و تَعانُقِ الرِّمَاحِ و الأَسِنَّةِ. لكنَّ الحقيقةَ أنَّ وراءَ هذا الجهادِ -الّذي هو جِهَادٌ أصغرٌ- جهادٌ أكبرٌ تتصارعُ فيه النِّيَّاتُ و المُيُولُ و الإراداتُ .

بتعبيرٍ آخرَ: تتصارعُ الشَّهَوَاتُ و العُبُودِيَّةُ. إذا دقَّقْنا النَّظرَ هناك نرى تصارُعَ الأرواحِ فيما بينها، أحدُ طَرَفَيْهَا بقيادَةِ إبليسَ الَّذي يُنَظِّمُ صُفُوفَ كُلِّ الشهواتِ و الغضبِ و كلِّ الصِّفَاتِ الرَّذِيلَةِ و يشعلُ النَّارُ فيها؛ و في الطَّرفِ الآخَرِ هو بقيادةِ رُوحِ سيّد الشهداءِ أرواحُ العالَمينَ له الفِدَاءُ، هذه الرُّوحُ هي عَيْنُ العُبُودِيَّةِ و الخضُوعِ و مظهَرُ كلَّ الصِّفَاتِ الحَميدَةِ و الجبهةِ الَّتي ينظِّمُها قد قام بتنظيمِها بكيفِيَّةٍ أصبحَتْ من خلالِها مَظْهَرًا لصفاتِ الكمالِ. الحربُ في الواقعِ كانت بينَ هذه الصفاتِ الحميدةِ و الصّفاتِ الرَّذيلةِ و بينَ العُبُودِيَّةِ و الإستكبارِ.

إذا تأمَّلْنا أكثرَ نجدُ أنَّ هذه الحربَ قد وصلتْ إلى عالمِ المَلَكُوتِ و إذا نظرتُم في جلوةِ عبادةِ سيِّدِ الشهداءِ عليه السَّلامُ ستَرَوْنَ أنَّها تَسيرُ فوقَ عالَمِ الملكوتِ أيضًا، أيْ أنَّ سجدةَ سيِّدِ الشُّهَدَاءِ عليه السلامُ في موضِعِ قَتْلِه هي تلكَ السَّجْدَةُ الّتي غَرقَ بسبَبِها كلُّ المُلْكِ و المَلَكُوتِ في جَذَبَاتِ اللهِ و نِعَمِه، و لذلك وقَعَ ملكوتُ العَالَمِ في الحَيْرَةِ مِن هذه السَّجْدةِ، فكيف هو حالُ المُلْكِ!

عندما نَتَأَمَّلُ وَاقعةَ عاشوراءِ على هذا النحوِ سوفَ يتَّضِحُ لنا أنَّنَا نحنُ البشرُ لسنا محورًا لهذا الجِهادِ؛ و إن كان لنا دورٌ فيه و بمقدارِ هذا الدَّورِ نَتَحَمَّلُ مسؤوليَّةً. لا يُمْكِنُنَا أنْ نسلُبَ هذه المسؤولِيَّةَ تجاه حركةِ التاريخِ عن أنفُسِنا، حَرَكَتُنَا ليست حركةً جبْريَّةً، فقد وهَبَتْنَا المشيئَةُ الإلهيَّةُ الإرادةَ و عيَّنَتْ علينا التَّكليفَ، و لكنَّ مجموعَ ثِمارِ كلِّ إراداتِنا لا تُعْتَبَرُ إرادةٌ أصيلةٌ في حركةِ التاريخِ.

 

* لقد ذَكَرتم أنَّ الخصوصيَّةَ الثانيةَ في فلسفةِ التاريخِ الإسلامِيِّ هي عبارةٌ عنِ الإعتقادِ بحَرَكَةِ التاريخِ نحوَ الكمالِ. السؤالُ الَّذي يَتَطَرَّقُ إلى الذِّهنِ هنا هو: ما الفرقُ بينَ رَأْيِكُم و الرَّأْيِ القَائِلِ بأنَّ التاريخَ هو عبارةٌ عنْ مَرَاحِلٍ مُختَلِفَةٍ مُتَتَالِيَةٍ ، كلُّ مرحَلَةٍ هي عبارةٌ عن تَكَامُلِ المَرْحَلَةِ الَّتي تَسْبِقُهَا ؟ هلْ تعتقدون أنَّ كلَّ مرحَلَةٍ منْ مراحلِ التاريخِ هي أكملُ مِنَ المَرحَلَةِ الَّتي تَسْبِقُهَا فقط؟ أم أنَّ اهتمامَكم يتركَّزُ فقط على النُّقطَةِ النِّهائِيَّةِ لحركةِ التاريخِ -يعني القيامةُ-؟

الجوابُ:

يحدُثُ كمالٌ في مراحلِ التاريخِ لأَنَّ الحَرَكَةَ الَّتي تقعُ في التاريخِ إمّا حَرَكَةً منفِيَّةً أو مثبتَةً . نحن لا نعتَقِدُ أنَّ الحَرَكَةَ المَنفِيَّةَ في التاريخِ تساوي الصفرَ ثمَّ نقولُ أنَّه لا يوجَدُ شَرٌّ في التاريخِ! لأَنَّ الشَّرَّ سوف يَقَعُ بِتَحَقُّقِ إرادةِ المخلوقاتِ. بالطَّبْعِ الشَّرُّ هنا يَسْتَنِدُ إلى إرادةِ المخلوقاتِ و ليس إلى إرادةِ الرُّبوبِيَّةِ. و لا يَسْتَنِدُ الشَّرُّ إلى الأولياءِ المعصومينَ عليهمُ السلامُ فلا وجودَ للشَّرِّ في العِصْمَةِ ، هم مشيئاتٌ تساوي مشيئةُ الحَقِّ، و تَدْخُلُ في دائرةِ العِصْمَةِ تَبَعًا للحَقِّ تعالى.

لكنْ عندَمَا نَتَنَزَّلُ مِن مرتبتهم تبدأُ الشُّرورُ بالظهور في عباداتِ الإنسانِ. إذا خَرَجَ الإنسانُ عن مَسيرِ عِبَادَةِ اللهِ تعالى يَظْهَرُ الشَّرُّ، لكنَّ هذه الإراداتِ المنفيَّةِ تَنحَلُّ في النِّهايةِ في الإراداتِ المُثْبَتَةِ، يعني أنَّ حركتَهَا المَنفِيَّةِ في النِّهايةِ تنحَلُّ كلَّما اشتدَّ القُرْبُ من جبهةِ الحَقِّ ثمّ تنحَلُّ في التاريخِ، مثلًا : جبهةُ الباطلِ قد نَظَّمَتْ صُفُوفَهَا في قِبالِ سيِّدِ الشُّهداءِ عليه السلامُ، و أَظْهَرَت شيطنتَهَا و عَصَت بأعلى المستَوَياتِ، لكنْ أ لَمْ تنتهي هذه الشيطنةُ الَّتي هي في جبهةِ الباطلِ إلى ظُهُورِ عبودِيَّةٍ أرقى في جبهةِ الحَقِّ؟

حتَّى إذا تركْنا تحليلَ مَا وقعَ على سيِّدِ الشهداءِ عليه السلامُ بسببِ صُعُوبَةِ تَحْلِيلِ شَخْصيَّتِه و عَظَمَةِ روحِهِ و انتقلْنا إلى أصحابِه، نصلُ إلى أنَّه حقيقةً لولا وُجودُ تلك المقاومةِ و الشَّيْطَنَةِ الّتي واجهت سيِّدَ الشُّهَدَاءِ عليه السلامُ لَمَا تَهَيَّأتْ الشُّروطُ لِظُهُورِ الإطاعةِ و التَوَلّي و الكَمَالِ في أصحابه عليهم السلامُ. إذن تَرَوْنَ أنَّ نتيجةَ هذا الصراعِ يختم في النّهايةِ بما ينفعُ جبهةَ الحقِّ، و بذلك تصُبُّ النّتيجةُ الكُلِّيَّةُ في منفعةِ الوِلَايةِ الإلهيَّةِ،  وإن حصلت إبتلاءاتٌ عظيمةٌ في بعضِ مراحلِ التاريخِ.

إذن حركةُ التاريخِ العَامَّةِ هي حركةٌ مُثبَتَةٌ و يُمكِنُ اعتبار الحركةِ المَرحَلِيّةِ في التاريخِ مثبتةً أيضًا بناءً على ما ذُكِرَ من معانٍ.

بأن نقولَ أنَّه في قبالِ هذه الشيطنةِ تحصلُ عبوديةٌ في جبهةِ وليِّ اللهِ؛ مثلاً في نفسِ تلك اللحظةِ التي دخلت فيها السقيفةُ إلى المَيدانِ و انشغلوا بالمعصيةِ العظيمةِ، في نفسِ تلك اللحظةِ كانت هناك عبوديةٌ و إخلاصٌ و سجودٌ من أميرِ المؤمنينَ عليه السلام في حالِ وقوعٍ، و هي مبدأُ نورانيّةِ كل الملكِ و الملكوتِ، هذه السجدةُ غلَبت تلك المعصيةُ. و إن ظَهَر في الدنيا أنَّ المعصيةَ هي الغالبةُ! لو لم تغلب سجدةُ أميرِ المؤمنين عليه السلام في تلك اللحظةِ، لكانت هزيمةُ الحقِّ قطْعيّةً.

إذا لم نرَ أنفسَنا محورَ الكلِّ بل اعتقدنا أنَّ وليَّ اللهِ هو محورُ الكلِّ، و إذا رأينا أساسَ الصِّراعِ یقع بينَ وليِّ اللهِ و أولياءِ الطاغوتِ فإنَّ انتصارَ جبهةِ الحقِّ يُصبِحُ حتميًّا في كلِّ الآنات و اللّحظَاتِ و يقعُ الكَمَالُ في مَتنِ الخلقةِ أيضاً.

 

 

 


 



[1] الحشر/ 14

[2] الأنعام/112.